الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ مُبَيِّنًا: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ فِي أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، وَتَفْسِيرٌ مُفِيدٌ، لَا يُفْتَقَرُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ إلَى نَقْلٍ، وَيُعَضِّدُهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ؛ فَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْأَزْوَاجِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلزَّوْجَةِ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْجُوبٍ عَنْهَا، وَلَا مُحْرَزٍ مِنْهَا.قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ».وَأَمَّا مَا كَانَ مُحْرَزًا عَنْهَا فَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ زَوْجِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ، لَكِنْ الزَّوْجَةُ أَبْسَطُ، لِمَا لَهَا مِنْ حَقِّ النَّفَقَةِ، وَلِمَا يَلْزَمُهَا مِنْ خِدْمَةِ الْمَنْفَعَةِ.وَأَمَّا بَيْتُ الِابْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَبَيْتِ الْمَرْءِ نَفْسِهِ، لَكِنْ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا كَانَ غَيْرَ مُحْرَزٍ، فَلَا يَتَبَسَّطُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ فِي هَتْكِ حِرْزٍ وَأَخْذِ مَالٍ؛ وَإِنَّمَا يَأْكُلُهُ مُسْتَرْسِلًا فِيمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ حِيَازَةٌ، وَلَكِنْ بِالْمَعْرُوفِ دُونَ فَسَادٍ وَلَا اسْتِغْنَامٍ وَأَمَّا بَيْتُ الْأَبِ لِلِابْنِ فَمِثْلُهُ، وَلَكِنْ تَبَسُّطُ الِابْنِ أَقَلُّ مِنْ تَبَسُّطِ الْأَبِ، كَمَا كَانَ تَبَسُّطُ الزَّوْجِ أَقَلَّ مِنْ تَبَسُّطِ الزَّوْجَةِ.وَأَمَّا بُيُوتُ سَائِرِ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْآيَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ.وَأَمَّا بَيْتٌ مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ فَهُوَ الْوَكِيلُ قَالَ النَّبِيُّ: «الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ».وَلَابُدَّ لِلْخَازِنِ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَخْزُنُ إجْمَاعًا، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ، فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الْخَزْنِ حَرُمَ الْأَكْلُ.وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {بُيُوتِكُمْ} لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ.وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَنْزِلُ الرَّجُلِ نَفْسِهِ فَخَطَأٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ أَفَادَهُ قَوْلُهُ: {بُيُوتِكُمْ} كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ بَيْتَ الِابْنِ يَدْخُلُ فِيهِ؛ فَبَيْتُ الْعَبْدِ أَوْلَى وَأَحْرَى بِإِجْمَاعٍ.وَأَمَّا بَيْتُ الصَّدِيقِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحْكَمَتْ الْأُخُوَّةُ جَرَى التَّبَسُّطُ عَادَةً، وَفِي الْمَثَلِ: أَيُّهُمْ أَحَبُّ إلَيْك أَخُوكَ أَمْ صَدِيقُكَ؟ قَالَ: أَخِي إذَا كَانَ صَدِيقِي.قَالَ لَنَا الْإِمَامُ الْعَادِلُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَوْقٍ قَالَ لَنَا جَمَالُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ إمَامُ الصُّوفِيَّةِ فِي وَقْتِهِ: عَزِيزٌ مِنْ يَصْدُقُ فِي الصَّدَاقَةِ، فَيَكُونُ فِي الْبَاطِنِ كَمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْوَجْهِ كَالْمِرْآةِ وَمِنْ وَرَائِك كَالْمِقْرَاضِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا قُلْت: مَنْ لِي بِمَنْ يَثِقُ الْفُؤَادُ بِوُدِّهِ وَإِذَا تَرَحَّلَ لَمْ يَزِغْ عَنْ عَهْدِهِ يَا بُؤْسَ نَفْسِي مِنْ أَخٍ لِي بَاذِلٍ حُسْنَ الْوَفَاءِ بِقُرْبِهِ لَا بُعْدِهِ يُولِي الصَّفَاءَ بِنُطْقِهِ لَا خُلْقِهِ وَيَدُسُّ صَابًا فِي حَلَاوَةِ شَهْدِهِ فَلِسَانُهُ يُبْدِي جَوَاهِرَ عِقْدِهِ وَجَنَانُهُ تُغْلِي مَرَاجِلَ حِقْدِهِ لَاهُمَّ إنِّي لَا أُطِيقُ فِرَاسَةً بِك أَسْتَعِيذُ مِنْ الْحَسُودِ وَكَيْدِهِ الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: فِي تَمَامِ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي كِنَانَةَ؛ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ، حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُقِيمُ عَلَى الْجُوعِ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُؤَاكِلُهُ، وَكَانَتْ هَذِهِ السِّيرَةُ مَوْرُوثَةً عِنْدَهُمْ عَنْ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ.الثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ كَانُوا إذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ تَحَرَّجُوا عَنْ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ حَتَّى يَأْكُلُوا مَعَهُ.الثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَأْكُلُوا جَمِيعًا، وَيَقُولُ الرَّجُلُ: آكُلُ وَحْدِي.الرَّابِعُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِرِينَ يَخْلِطُونَ أَزْوِدَتَهُمْ، فَلَا يَأْكُلُ حَتَّى يَأْتِيَ الْآخَرُ، فَأُبِيحَ ذَلِكَ لَهُمْ.وَهَذَا الْقَوْلُ تَضَمَّنَ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَ الْآخَرِ، وَلِلْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُمْ لَا يَنْضَبِطُ، فَقَدْ يَأْكُلُ الرَّجُلُ قَلِيلًا وَالْآخَرُ كَثِيرًا، وَقَدْ يَأْكُلُ الْبَصِيرُ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ الْأَعْمَى، فَنَفَى اللَّهُ الْحَرَجَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَبَاحَ لِلْجَمِيعِ الِاشْتِرَاكَ فِي الْأَكْلِ عَلَى الْمَعْهُودِ، مَا لَمْ يَكُنْ قَصْدًا إلَى الزِّيَادَةِ، عَلَى مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ.وَهَذَا هُوَ النِّهْدُ الَّذِي يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرًى مِنْهُمْ، أَوْ كَانَ بِخَلْطِهِمْ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ طَعَامَ ضِيَافَةٍ أَوْ وَلِيمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ؛ لاسيما وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ طَعَامَ الضِّيَافَةِ وَالْوَلِيمَةِ يَأْكُلُهُ الْحَاضِرُونَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ عِنْدَنَا فِي طَعَامِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي النِّهْدِ حَدِيثَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جَمْعِ الْأَزْوَادِ، وَكَانَ يُغَدِّيهِمْ كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةً تَمْرَةً.وَحَدِيثَ عُمَرَ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ وَمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَادَ الْجَيْشِ، وَبَرَّكَ عَلَيْهَا، ثُمَّ احْتَثَى كُلُّ أَحَدٍ فِي مِزْوَدِهِ وَوِعَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْوِيَةٍ، حَتَّى فَرَغُوا، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْخُرُوجِ، يُقَالُ: نَهَدَ ثَدْيُ الْمَرْأَةِ، وَنَهَدَ الْقَوْمُ لِغَزْوِهِمْ، وَنَهَدَ الْجَمَاعَةُ: إذَا أَخْرَجُوا طَعَامًا أَوْ مَالًا، ثُمَّ جَمَعُوهُ، وَأَكَلُوا أَوْ أَنْفَقُوا مِنْهُ.الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} فِي الْبُيُوتِ قَوْلَان:أحدهما: أَنَّهَا الْبُيُوتُ كُلُّهَا.وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْمَسَاجِدُ.وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، لِعُمُومِ الْقَوْلِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّخْصِيصِ.فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: سَلِّمُوا عَلَى أَهَالِيكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.الثَّانِي: إذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتَ غَيْرِكُمْ فَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.[الثَّالِثُ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَسَاجِدَ فَسَلِّمُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ ضَيْفِكُمْ].الرَّابِعُ: إذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَارِغَةً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، قُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: فِي الْمُخْتَارِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} فَنَصَّ عَلَى بُيُوتِ الْغَيْرِ، ثُمَّ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أَيْ لِيُسَلِّمَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ الْحُكْمَ فِي بُيُوتِ الْغَيْرِ، لِيَدْخُلَ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ كُلُّ بَيْتٍ، كَانَ لِلْغَيْرِ أَوْ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: {عَلَى أَنْفُسِكُمْ} لِيَتَنَاوَلَ اللَّفْظُ سَلَامَ الْمَرْءِ عَلَى عَيْنِهِ، وَلِيَأْخُذَ الْمَعْنَى سَلَامَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا دَخَلَ بَيْتًا لِغَيْرِهِ اسْتَأْذَنَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا لِنَفْسِهِ سَلَّمَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.وَهَذَا إذَا كَانَ فَارِغًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ وَخَدَمُهُ فَلْيَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّحِيَّةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا فَلْيَقُلْ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ».وَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ عُمَرَ الْبَيْتَ الْفَارِغَ.وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ إذَا كَانَ الْبَيْتُ فَارِغًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَّلَامُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَلَكَ فَالْمَلَائِكَةُ لَا تُفَارِقُ الْعَبْدَ بِحَالٍ، أَمَّا إنَّهُ إذَا دَخَلْت بَيْتَكَ يُسْتَحَبُّ لَك ذِكْرُ اللَّهِ بِمَا قَدْ شَرَحْنَاهُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ بِأَنْ يَقُولَ: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ}.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ كَيْفِيَّةَ السَّلَامِ الَّذِي شَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَأَوْضَحْنَا مَجْرَاهُ، وَمِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ سَلَامَ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ يَكْفِي فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّدِّ.وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ النِّسَاءُ يُسَلِّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ، وَلَا يُسَلِّمُ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ.وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّهَا خُلْطَةٌ وَتَعَرُّضٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُتَجَالَّةً؛ إذْ الْخُلْطَةُ لَا تَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْمُنْتَهَى. اهـ.
وفي الصديق قولان:أحدهما: أنه الذي صدقك عن مودته.الثاني: أنه الذي يوافق باطنه باطنك كما وافق ظاهره ظاهرك.ثم اختلفوا في نسخ ما تقدم ذكره بعد ثبوت حكمه على قولين:أحدهما: أنه على ثبوته لم ينسخ شيء منه، قاله قتادة.الثاني: أنه منسوخ بقوله تعالى: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} الآية. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مَالُ امْرِىءْ مُسْلِمٍ إلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنهُ» قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} فيه أربعة أوجه:أحدها: أنها نزلت في بني كنانة كان رجل منهم يرى أن مُحرَّمًا عليه أن يأكل وحده في الجاهلية حتى أن الرجل ليسوق الزود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل فيهم هذه الآية، قاله قتادة وابن جريج.الثاني: أنها نزلت في قوم من العرب كان الرجل منهم إذا نزل به ضيف تحرج أن يتركه يأكل وحده حتى يأكل معه، فنزل ذلك فيهم، قال أبو صالح.
|